بوابة المالكية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ديريك تسطع فوق خميلة الروح

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

ديريك تسطع فوق خميلة الروح Empty ديريك تسطع فوق خميلة الروح

مُساهمة من طرف صبري يوسف الجمعة فبراير 01, 2008 2:06 pm

تسطع ديريك فوق خميلة الروح

إهداء: إلى ديريك، مسقط رأسي!


صبري يوسف

(سوريا /ستوكهولم)


ملأت الزغاريد فناء الحوش، كليليليليلي! العرق والفرح والعناق يتصبَّب من جباهِ الجميع، يرقصون أمام العروس، وقبل أن تقترب من عتبة باب الزوجية، يفسحون المجال لواحدٍ من أهل العريس كي يكسر "الشَّرْبِه"، أمام العروس، عربون فرحهم لقدومها.
تنكسر الشربة: جرّة صغيرة، فتتناثر السكاكر والفرنكات فيهجم الأطفال لالتقاط السكاكر والفرنكات، ويحرصُ مرافقو العروس أن لا يتقدّم الأطفال عند بياض فستان الاكليل الجميل، لكن مع هذا فجموح الأطفال وفرحهم لا يمكن كبحه فيرفع أحياناً طفلٌ حافات الثوب ليلتقط فرنكاً ثم يقف والبهجة مرسومة على محيّاه، ترقص الأم وفي يدها المغرفة، معلقة خشبية كبيرة، وفي الأخرى رغيف خبز تنوّر، تنضح البهجة من عيون الأم والأخوة والأخوات.

تعبر العروس متربّعة صدر عشّ الزوجية، تلمع عينا العريس فرحاً، يزداد قلبه خفقاناً وسروراً، مشاعر دافئة تغمر أجواء المكان، فسحة صغيرة للرقص أمام العروسين، الطبل والمزمار يخيّمان على الفرح فيمنحان الفرح فرحاً عميقاً، يعقدون الدبكات والرقص يأخذ مداه الحميم، هذا يلتقط صوراً للعروسين وذاك يرقص وآخر يمتلئ قلبه بهجة، أحد الشبَّان يغمز فتاةً في مقتبل العمر، تتفاجأ، يحمّر وجهها خجلاً، يقترب منها، ترقص الفتاة بعد قليل فينتهز الفرصة ويرقص معها على اِيقاعات "خانمان"، يضحكُ العريس والعروس هائمة في رحاب الفرح، والديّ العريس يموجان سروراً.

تطير الحمام فوق أرجاء المكان، تفرح الأزقة وأطفال الحيّ، الدبكات تزدادُ ألقاً، يقوم عازف المزمار بتلاوة عبارات "الشاباش" على رأس العريس، ثم على رأس العروس فرؤوس أهل العريس والعروس والأصدقاء، تتناثر الليرات فيلتقطها عازف المزمار بإنحناءة شكر وإحترام، سؤالٌ لا يفارقني، هل تمَّ تسجيل وقائع حفل الأكليل على شريط فيديو، كيف فاتنا أن لا نسجِّل حفلات زفاف أيام زمان أم أنَّ كاميرات الفيديو ما كانت قد وصلت آنذاك إلى ربوع ديريك؟!..

ديريك آهٍ يا ديريك، سأخبِّئكِ بين أجنحةِ القصائد، بين خميلة الذاكرة، بين حنين الرُّوح إلى تلكَ الأزقّة المزدانة بالطين والخير الوفير، كم كنتُ أتمنّى لو تمّ التقاط وتسجيل دوران النَّوارج، وهي تدرس "قوشات الحنطة"، كانت أكداس الحنطة تملأ البيادر فيوزّعها والدي دوائر دوائر ثم يدرسها بالجَرْجَر: النَّورج، ساعات وساعات وأيام وأيام، وعندما تكتمل، يكوّمها كومات كبيرة، وفي ليلةٍ قمراء يهبُّ نسيم الليل الغربي فيقوم والدي بتذرية التبن كي يفصل حبَّات الحنطة عن التبن، فيتشكل تبن ناعم جدّاً يسمونه العُوْر، والتبن العادي ثم الخشن، وكانوا يطلقون على هذا الأخير القسْره، كانت مخصَّصة للتنّور مع روث البقر، "الجلّة"!

كم يؤلمني أن لحظات التذرية وذكريات كثيرة أخرى في منتهى الروعة والبهاء غير مسجلة على شرائط فيديو، آلاف الذكريات كان لها من الجمال الخلاب ما لا أتخيَّله، كيف تتحمل الذاكرة كل هذه الحميميات، تبكي ذاكرتي شوقاً إلى معالمِ دفء الطفولة واليفاعة، حفلات الأعياد، حفلات الأعراس، بهجة الرحلات والمشاوير، تزغرد أم العريس مرة أخرى ثم يزغردن بقية الأمَّهات وتقوم التهاني ركباً ما بين الأمّهات، كانت لأمّي تهلهيلة ولا كل التهاليل، تهلهلُ بنَفَسٍ طويل وصوتٍ نقي ومفتوح على شهقةِ الليل.

آهٍ لو تمَّ تسجيل صوت تهاليلها، أشعر أن كلّ قصائدي باهتة أمام رنين تهاليلها، مَن يدري ربما استمدّيت رحيق شعري من حبق زغاريدها، من نقاوةِ تلكَ التهاليل، وقصصي! .. ربّما نبتتْ من بركات منجل والدي الذي كان يحصد باقات الحنطة على اِيقاعات بهجة الطَّبيعة، ترقص النُّجوم مشاركةً فرحة العروسين، ينام الليل على اِيقاع الفرح، تدور الأيام والشهور والسنون وتبقى ديريك بكلِّ أفراحها وأتراحها ساطعةً فوقَ خميلةِ الرُّوح!


ستوكهولم: 25 . 9 . 2005




نقلاً عن موقع جهة الشعر


http://www.jehat.com/Jehaat/ar/SardYab3athAldef/28-1-2008.htm


تنويه: هذا النص سبق وأن نشرته في موقع الصديق فؤاد زاديكه منذ فترة طيبة، وقد وُلِدَ النص من خلال تعقيبي على إحدى المساهمات في الموقع، وقد نشرته مؤخراً في موقع جهة الشعر، زاوية: سرد يبعث الدفء، لذا أحببت التنويه!

صبري يوسف

ذكر
عدد الرسائل : 56
تاريخ التسجيل : 31/10/2007

http://www.sabriyousef.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

ديريك تسطع فوق خميلة الروح Empty رد: ديريك تسطع فوق خميلة الروح

مُساهمة من طرف شكري عبد الأحد الخميس فبراير 21, 2008 12:53 pm


مشكور اخ صبري الغالي على كل ما تقدمه
شكري عبد الأحد
شكري عبد الأحد

ذكر
عدد الرسائل : 222
العمر : 46
تاريخ التسجيل : 29/09/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى