حوار مع الشَّاعرة المصرية فاطمة ناعوت، أجرى الحوار صبري يوسف
صفحة 1 من اصل 1
حوار مع الشَّاعرة المصرية فاطمة ناعوت، أجرى الحوار صبري يوسف
حوار مع الشَّاعرة المصريّة فاطمة ناعوت
تلتقطُ تجلِّياتها الشعريّة على اِيقاعِ هدوءِ اللَّيلِ الجميل
فاطمة ناعوت
شاعرة ومترجمة ولها باع طيّب في مجال النَّقد، ولجَت رحاب الشِّعر من خلالِ شغفها بالشِّعر منذ أن كانت طفلة، أبهرها الحرف، فانهالت عليهِ تقرأ وتكتب بغزارة شفيفة نادرة.
يرتكز نصّها على النُّزوع التأمّلي العميق، حيث تتأمَّل في محرابها الشعري: الوجود والإنسان، وترسم تدفُّقاتها الشِّعرية وهي تمعن في الوجود، الزَّمن، الحياة، الإنسان، وكأّنها إزاء رؤى فلسفية وجودية ثقافيَّة مفتوحة ومترامية الأطراف على القشرة الأرضيّة، لعلّها تلتقطُ بعضاً من تجلِّياتها الشِّعريّة التي تنهالُ عليها على اِيقاعِ هدوءِ اللَّيلِ الجميل!
تعرّفتُ على الشَّاعرة فاطمة ناعوت عبر الشَّبكة العنكبوتية وذلكَ من خلال قراءتي لنصوصها المنشورة في الكثير من المواقع والصحف والمجلات، ثم فرشت موقعها على مساحات رحبة من اللَّيل الحنون، لأقرأ الكثير من نصوصها الشعريّة، ثم حرّضتني نصوصها وتجربتها الفريدة إلى هذا الحوار.
1 ـ ماذا يعني لكِ الشِّعر، هل يحقّق لكِ توازناً داخلياً أم أنّه بمثابة حديقة لإستجمام الرُّوح؟!
* الشِّعرُ هو طوق النَّجاة الذي أركض إليه حين يبرحني الأمنُ ويعتمرني الخوفُ من عبثية الوجود. ربَّما هو محاولة لخلق عبثية موازية مضادَّة.
2 ـ عبرتِ من الهندسة المعماريّة إلى فضاءات الشِّعر تعمِّرين نصّاً شعرياً ينضحُ بأبجديات شعريّة جديدة، كيف عبرتِ عوالم الشِّعر وأنتِ مهندسة معماريّة؟!
* الحال أنني ولجتُ عالم الشِّعر قبل عالم العمارة، زمنيًا. كنت وقتها منخرطة في الإبحار في عوالم الميثولوجيا الإغريقية التي أعادت ترتيب أوراق الوجود في دماغي. هذا عن بدء ممارستي الكتابة الشعريّة بمعزل عن قيمة ما كتبت آنذاك. ربَّما لم تكن إلا محض تهويمات تكتبها صبية في الرابعة عشر من عمرها. سوى أن الشِّعر كـ"فكرة" غزتني قبل ذلك بسنوات. حين كنت في الخامسة من عمري ربَّما. كان أبي يُجلسني على ركبتيه ويقرأ لي. أذكر أن مسًّا كهربيًّا غمرني حين حكي لي عن المسيح والعذراء مريم. ما معنى أن يتكلَّم طفل رضيع في المهد ويحاور بني إسرائيل ويحاججهم بالمنطق والحكمة؟! ما معنى أن يحمل هذا الطفل محنةَ بني آدم ويُصلب عن آثامهم. عن آثام لم يرتكبها. ما معنى أن يحمل هذا الفتى الجميل ذنوبَ حتى من سيأتون بعده وبعد لم يرَهم؟ هذا شعر. "فكرة" الشِّعر. هنا فهمت ماذا تعني الميتافيزيقا والماورائيات. أظن وقتها تحوّل نظري لأرى إلى العالم بطريقة مغايرة. كمستقبِلةٍ لا كمرسلة. يعني تعلَّمْت أن أدرك العالم على نحو مغاير. أما الهندسة المعمارية فقد فعلت العكس. الأدقّ أنّها أكملت المعادلة النَّاقصة. فقد علَّمتني أن أعيد ترتيب ذهني على نحو منطقي منتظم كي أكسر هذا المنطق حين أكتب. معنى أنها أدخلتني في دور الفاعل عوضًا عن دور المتلقي. فحاولت من وقتها أن أتصوَّر نموذجًا جديداً للعالم الذي أريده أن يكون. فحوّلت مسار كتاباتي على النحو الذي ترى.
3 ـ أنتِ مديرة تحرير مجلّة "قوس قزح" المصريّة، أصدرتِ عام 2002 ديوان "نقرة إصبع" عن الهيئة المصريّة للكتاب وأيضاً أصدرتِ بنفس العام ديوان: "على بعد سنتيمتر واحد من الأرض" كيف توفّقين بين إدارة المجلة وأنتِ غائصة في الترجمة وكتابة الشعر والنشر بشكل غزير؟
* مجلة "قوس قزح" هي مجلة خاصة أنشأها الشاعر المصري حلمي سالم وأنا أساعده فيها. ومن ثمَّ فلا عملَ محدداً روتينيَّاً ينتظمني ويستلب وقتي ودماغي. فأنا كائن لا يعرف أن يقتله الرُّوتين والنَّظام والتواقيت. أمّا عن الإنتاج الغزير فطبيعي ذاك أنني تفرغت تماماً للكتابة منذ خمس سنوات. فكلّ يومي هو اشتغال على العقل ولا شيء آخر. لا أشاهد التليفزيون ولا أخرج مع أصدقاء ولا أحضر المحافل الخ. وقد فهمت أسرتي أنني منذورة لهذه الحكاية فأعفوني من التزامات التزاورات الاجتماعية والعائليات وما إليها ممَّا تبدِّد الوقت.
4 ـ أصدرتِ في عام 2003 ديوان: "قطاع طولي في الذَّاكرة"، هناك ولوج واضح لأسلوبكِ في العبور في رحاب التجريب، لغتكِ بسيطة، هادئة ومعبّرة، كيف تشكّلت شخصيتكِ في بناء نصٍّ متميّز في تجديده بعفويّة جامحة لتجسيد ما هو يومي ومعاش بعمق شفيف؟
* هذا سؤال نقدي. يوجه للنقاد. مع ذلك سأقول لك إن الشَّاعر بوجه عام يمتلك عيناً تقدر على رؤية العالم من منظور مغاير، وأذناً بوسعها الإنصات للوجود على نحو مغاير. هو شاعر فقط من أجل ذلك. قال يونج: إن لم تستطع أن تغيِّر العالم فحاول أن تغيِّر من طرائق نظرتك إليه. بوسعك لو دقَّقت النَّظر أن تسمع صوت الكأس والطاولة والقدَّاحة وتتعلم أسرارها. نحن نعتاد على ما حولنا فنقتله بهذا الاعتياد. أحاول أن أقتل هذا الاعتياد كي أعيد إلى الأشياء جمالها الحقيقي الخبيء في داخلها.
5 ـ ساهمتِ في أنطولوجيا "أحزان حمورابي" بالاشتراك مع مجموعة من الشُّعراء العرب، هل تمَّ إنضمامك إلى هذه الأنطولوجيا من منظور حضوركِ الشعري المتميّز أم أنّ هناك أسباباً أخرى أيضاً دفعت معدّي الانطولوجيا أن يدرجوا إسمكِ إلى قائمة الإنضمام؟
* أصدر هذا الأنطولوجي "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" بعد غزو العراق كلون من الشَّجب والمقاومة. وهو أنطولوجي شعريّ يضمُّ الكثير مما كتبه الشُّعراء عن العراق بوجه عام. من الجواهري إلى أدونيس إلى نازك الملائكة إلى غيرهم من شعراء مصر والوطن العربي. وقد أعدّتِ الكتابَ وقدمّت له الناقدة الكبيرة د. فريال غزول الأستاذة بالجامعة الأمريكية في مصر. ولا أعرف المنهج الذي اختاروا على أساسه القصائد أو الشعراء. ربما هو تجميع بانورامي يحاول الجمع بين أجيال عديدة متنوعة. كنت قد نشرت قصيدة اسمها "نصف نوتة". كتبتها يوم سقوط بغداد. بكيت يومها كثكلى. ثم وجدت قصيدتي ضمن "أحزان حمورابي".
6 ـ لديكِ قصائد ومترجمات للعديد من الشعراء الكوزمبوليتان مثل ديريك والكوت، جراهام بيل ، آليس ووكر، جو شابكوت، شارلز سيميك وغيرهم من الشعراء، كما لديكِ مقالات وقصائد ومترجمات فكريّة ونقدية عديدة، إضافة إلى أن لديكِ ديوانًا باللغة الإنكليزية، كيف تولّد وترعرع عندكِ كل هذا الإبداع والإهتمام المركّز عبر اللغة الانكليزيّة؟
* أنا مفتونة بفكرة "اللغة". كلّ لغة. أن يحوّل ابن آدم ما يدور في رأسه من أفكار هيولية مجرَّدة إلى رموزٍ وحروفٍ وكلماتٍ ومعانٍ. أذكر أن أوَّل كتاب قرأته حين انتظم وعيي كان رواية "أحدب نوتردام" لفيكتور هيجو. وقتها لم أكُنْ أعرف إنَّه فرنسي. قرأتها بالعربية والإنجليزية واعتمرتني حال من النشوة كوني الآن أبحر وأجول داخل دماغ إنسان لا أراه. حين تقرأ كتاباً فأنت تتجول بحريّة داخل أروقة دماغ كاتبه. هنا فهمت أن اللغة شيء عبقري. أعظم ما أنجز البشر. دراستي بالإنجليزية جعلتني أفتتن بها كما فتنتني العربية من قبل. فقرأت من هنا ومن هناك.
7 ـ المكان له دور كبير في قصائدكِ، تواصل بديع أشبه ما يكون بالصداقة الحميمة بينكِ وبين المكان، ما سرّ هذه الحميمية الرهيفة عبر وهاد المكان؟
* المكان. للمكان رائحة. لدي ذاكرة تربط بين الرَّائحة والمكان. ثمة عطور محدَّدة للصابون مثلا تذكِّرني بأمكنة بعينها. عطر Old Spice يذكِّرني بأبي. يكفي أن أفتح زجاجةً منه لأحيا حال نوستالجيا كاملة مع أبي الذي رحل منذ عقود. المكان هو القيمة الوحيدة التي تحمل بصماتنا ولديها دليل على وجودنا. الأثر. أثرنا على الأمكنة وأثر الأمكنة علينا هو لعبتنا مع الحياة ودليل وجودنا. أنا أفكر إذن أنا موجود، المكان دليل آخر على وجودنا.
8 ـ تكتبين قصيدة النثر بأسلوب التجريب، مبتعدة عن الأنماط المألوفة، هل هذا التوجّه قائم من منظور أنَّكِ تخطِّطين أن يكون لكِ بصمة خاصّة على الخارطة الشعرية الراهنة؟
* أنت حين تكتب لا تخطِّط ولا تراهن. بعض الكتَّاب يفعلون لكنني لست منهم. أنا أكتب رؤيتي للعالم وأطبع إنصاتي له على الورق. فلو جاء مختلفا فبها ونعمت. وإن جاء مكرورًا فبياض الورق ونظافته أولى بأن نحترمه. لا يحتمل الأمر أن نكرر ما قاله الآخرون. البشر كثيرون جداً. وسأسمح لنفسي أن أستعير كلمة المسيح الجميلة بتصرّف: لتقلْ جديدًا، أو لتصمتْ.
9 ـ هناك نكهة مصريّة عربيّة وإنسانية في شخصيّتكِ الأدبيّة عبر الأسلوب وطريقة نسج خطابك في بناء الرؤية وكأنّكِ مصريّة وعربية وغير عربيّة معاً، واننّي ألمس في أعماق نصوصكِ بعداً تراثيّاً وروحيّاً يتداخل مع الأديان وتغدو هلالات النـزوع الروحي المسيحي متجلّيةً بين متون قصائدكِ بشكلٍ شفيف وحميم، كيف تشكّل لديكِ هذا العناق الروحي النقي مع الأديان؟
* الدين المسيحي تحديدًا هو منهل شعريّ شديد الثراء. قصّة المسيح والعذراء كما أسلفتُ هي التي قذفت بي إلى لُج الشِّعر منذ البدء. انخراطي في العالم الكنسي منذ طفولتي الأولى، حين كنت أتسلل إلى كنيسة مدرستي مع الأطفال المسيحيين، أثرى مكوِّني الروحيّ والشعري. الراهبات علمنني مفهوم المحبة الشاملة للوجود والموجودات. المحبة المطلقة التي نهبها حتى لأعدائنا. أيُّ شعرٍ أرفعُ من هذا! أنا مصرية؟ نعم. وأحب كوني مصريةً. لكنني إنسان. وما معنى أن تكون عربيًّا؟ أن تنتمي لحضارة كانت راقية في وقت قديم وغدت الآن عبئًا على العالم؟ طيب ما العمل ؟ الحل أن أنظر إلى الوراء. وإلى الأمام. في وقت واحد. كما تفعل البومة الجميلة. وأحذر أن أنظر إلى جواري لأنني لن أرى إلا التعاسة. نعم أحب التراث لأنه الإرث الذي أنجزه لنا أسلافنا. كيف لا أقرأ بصماتِهم وأثرَهم فوق الأرض؟ كيف لا أنهل منه وأنحني لهم احتراما؟
10 10ـ هناك خصوصيّة نادرة تسطع في وهاد شعركِ، فيبدو لي أن لديكِ نزوعاً رهبانيّاً في عوالم تحليقاتكِ الشعرية، مع أننّي أعرف أنّكِ لستِ راهبة لكنّ يخيّل إليّ وأنا أقرأ نصوصكِ ألمس أحياناً أنني على مشارف شاعرة تتقاطع روحانيتها بحفيف أصوات الراهبات، ما هو تعقيبكِ على هذا الانطباع؟
* نعم. انطباعك سليم. وقد أسلفت في إجابة سابقة عن سبب ذلك. أزعم أني لي عينًّا لا تتوقف عن البحث عن الجمال. الراهبة وعالم الراهبات شيء جميل. فكرة أن تهب نفسك لفكرة ما. فكرة نبيلة لا شك. شعر هذا. حين كنت طفلة كنت أعلن لأسرتي أنني سأغدو راهبةً. وكانوا يبتسمون.
11 ـ ما هي طقوسكِ في الكتابة، متى تكتبين وكيف تستوحين وتلتقطين خيوط القصائد؟!
* حين يناديني الشعر أفرُّ منه وأراوغه طويلا ولا أستسلم إلا حين يغدو أقوى من مقاومتي. لا أستسلم للكتابة من الوهلة الأولى. وإلا كتبتُ كل يوم. الاستلام للكتابة محنة الشاعر ونقيض للشعر. أكتبُ ليلا دائما وفي غرفة نومي. بعيدًا عن الحاسوب وبعيدًا عن الحياة. أخرج منها قليلا وأقف على بعد سنتيمتر من تخومها كي أراها. وأكتب.
12 ـ الموسيقى، الليل، الحرف، الترجمة، دفء الشَّرق، ماذا توحي لكِ هذه الكلمات؟
* = الموسيقى: اللغة التي اخترعها ابن آدم كي يقول للحياة: انظري أحاول أن أحاكيكِ. تبتسم الحياة وتومئ مثلما نفعل مع صغارنا.
= اللَّيل: محنة الشعراء ومنحتهم.
= الحرف: أذكى ما اخترع ابن آدم. لا يجوز أن يمرُّ إنسانٌ من هذه الأرض دون أن يترك حرفًا يدل عليه.
= الترجمة: غَيرةٌ صحيّة من نصٍّ جميل تمنينا أن نكتبه. فنفكر بمكر كيف نتجاور معه على أي نحو.
= دفء الشَّرق: اختلاط البرتقالي بالأرجواني بالأزرق في ثوب امرأة سمراء ذات عيون سود وشعر كالليل. هل هي من الهند؟ أم من المغرب؟ سنطلب منها جواز السفر الآن.
أجرى الحوار : صبري يوسف
ستوكهولم
ستوكهولم
مواضيع مماثلة
» حوار مع صبري يوسف، أجراه الصحافي الأردني عادل محمود ـ 1 ـ
» حوار مع صبري يوسف، أجراه الصحافي الأردني عادل محمود ـ 2 ـ
» حوار مع صبري يوسف، أجراه الصحافي الأردني عادل محمود ـ 3 ـ
» وجهات نظر صبري يوسف في استفتاء إيلاف الشعري
» السينمائي حميد عقبي يحاور صبري يوسف عبر صحيفة الجمهورية
» حوار مع صبري يوسف، أجراه الصحافي الأردني عادل محمود ـ 2 ـ
» حوار مع صبري يوسف، أجراه الصحافي الأردني عادل محمود ـ 3 ـ
» وجهات نظر صبري يوسف في استفتاء إيلاف الشعري
» السينمائي حميد عقبي يحاور صبري يوسف عبر صحيفة الجمهورية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى